رَجِعَتْ أَشْعَارِي يَا (عَبْقَرْ) مِنْ ذَاكَ البُرْكَانِ الأَحْمَرْ
رَجِعَتْ تَتَنَفَّسُ مِنْ رُوْحِي بَلْ تَأْكُلُ مِنْ جَسَدِي الأَسْمَرْ
رَجِعَتْ كَالنَّارِ لَهَا أُكُلٌ تَتَنَكَّرُ حَتَّى لا تُنْكَرْ
بَلْ تُحْرِقُ أَعْصَابِي تَرَفَاً وَتُصَلِّي عِشْقَاً للكَوْثَرْ
وَتُصَوِّرُ أَوْطَانَاً وَرُبَا وَتُغَنِّي للجَبَلِ الأَخْضَرْ
رَجِعَتْ أَشْعَارِي، لا تَقْلَقْ هَا نَحْنُ إِذَا مِتْنَا نَكْبَرْ!
في العُمْرِ المَاضِي قَدْ هَدَأَتْ وَاليَوْمَ كَثَائِرَةٍ تُحْضَرْ
أَشْعَارِي كَالوَطَنِ السَّامِي في الأَمْسِ بَكَتْ، وَغَدَاً تَثْأَرْ
وَأَنَا يَا (عَبْقَرُ) في سِجْنِي أَخْشَى قُضْبَانَاً لا تُكْسَرْ
وَأَنَا يَا (عَبْقَرُ) في وَطَنِي وَالكَوْنَ غَدَا سِجْنَاً أَكْبَرْ!
لا أَسْرِقُ مِنْ أَحَدٍ خُبْزَاً لا أَسْلُبُ بَيْتَاً أَوْ عَنْبَرْ
لا أَنْهَبُ أَرْضَاً أَوْ شَعْبَاً لا أَقْتُلُ طِفْلاً في المَعْبَرْ
وَأَنَا لَمْ أُجْرِمْ يَا وَطَنِي فَالحُبُّ يُرَاوِدُ مَنْ أَزْهَرْ
لَكِنَّ فُؤَادِي مُحْتَجَزٌ في حِصْنٍ أَوْ حَتَّى مَخْفَرْ!
أَقْلامُ العَالَمِ تَطْلُبُهُ وَتُرِيْدُهُ أَوْرَاقُ الدَّفْتَرْ
وَالأَرْضُ تَرُوْمُ مَحَاسِنَهُ فَالحُزْنُ بِلا قَلْبِي يَظْهَرْ
وَاللَّحْنُ سَيَصْرُخُ لَوْ هَدَأَتْ كَلِمَاتُ الشِّعْرِ، وَقَدْ يَنْهَرْ
لَوْ كُنْتُ بِلا وَطَنٍ أَبَدَاً مَا كُنْتُ سَأَنْسَى مَا يُذْكَرْ
فَأَنَا يَا عَبْقَرُ في وَطَنِي مَطْرُوْدٌ أُدْعَى المُسْتَعْمَرْ!
الْجُرْحُ السَّابِقُ أَعْدَمَنِي وَدَمِي يَسْقِي بَلَدِي الأَصْفَرْ
وَغَرَامِي يُزْرَعُ في أَرْضِي وَالشَّوْقُ سَيَنْبُتُ كَالزَّعْتَرْ
وَالجُرْحُ القَادِمُ يَأْخُذُنِي وَعَنَاقِيْدُ المَوْتِ الأَحْمَرْ
أَحْسَسْتُ بِأَرْضِي تَطْلُبُنِي بِصَلِيْبٍ يُنْصَبُ لا يُكْسَرْ
فَهُرِعْتُ إِلى أَرْضِي أَبْكِي وَإِذَا بِصَلِيْبِي قَدْ كَبَّرْ!
مَصْلُوْبٌ يُسْكِرُنِي أَلَمِي وَصَلِيْبِي في وَادِي عَبْقَرْ
وَحَلاوَةُ عِشْقِي تَغْمُرُنِي وَيُهَاجِمُنِي طَعْمُ السُّكَّرْ
أَبْيَاتُ الشِّعْرِ تُرَاوِدُنِي وَحَبِيْبَةُ شِعْرِي تُسْتَحْضَرْ
لَكِنَّ فُؤَادِي لَمْ يَقْبَلْ شَغَفَاً خَلَقَ الحُزْنَ الأَكْبَرْ
فَبَكَى وَاسْتَسْلَمَ مُنْتَظِرَاً وَسَمَا وَاسْتَبْسَلَ كَالعَسْكَرْ
ثُمَّ انْقَلَبَتْ كُلُّ الدُّنْيَا فَإِذَا غَضِبَتْ أَرْضِي أَدْبَرْ
مَا ذَنْبُ فُؤَادِي لَوْ كَثُرَتْ آلامُ بِلادِي لَمْ تُدْحَرْ؟
مَا ذَنْبُ فُؤَادِي إِنْ كَبُرَتْ آثَامُ وِدَادِي في المِجْهَرْ؟
فَلِمَ صَلَبُوا قَلَمِي؟ وَلِمَ نَادُوا بِالحُزْنِ عَلَى المِنْبَرْ؟
وَلِمَ جَعَلُوا جَسَدِي حَطَبَاً؟ وَلِمَ سَرَقَتْ رُوْحِيْ الكَوْثَرْ؟
فَأَنَا لَمْ أُجْرِمْ يَا وَطَنِي إِنِّي أَتَنَفَّسُ لا أَكْثَرْ!