أولاً : إن الله تعالى خلق الإنسان وجعله مفطوراً على معرفة ربه وعبادته ، وقد ثبت ذلك في نصوص كثيرة ؛ منها:-
أ- قوله تعالى: ((وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين))
ب- وقال الله تعالى: ((فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون))
ج- وقال النبي صلى الله عليه و سلم : (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)
د-وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاجتالتهم )
ثانياً : إن هذه الفطرة توصل الإنسان إلى المعرفة الإجمالية بخالقه وتشعره بصلته به وأنه إلهه وخالقه، لذا فإنه لا بد لهذه الفطرة من تزكية وتنمية وذلك لا يكون إلا بوحي من الله تعالى بواسطة رسله.
ثالثاً : إن لهذه الفطرة في الانسان حتى تقوم بدورها الطبيعي ركنين هما:
أ- القلب السليم : وهو القلب المؤمن الذي لم يتأثر بالشياطين من الجن والإنس ، بل ظل على فطرته وسلامته التي ينتج عنها الاعتقاد الصحيح. وكلما كان التأثر والانحراف أقل في هذا القلب كلما ازداد قبوله للحق وتعلقه به.
ب- العقل الصحيح : وهو العقل النقي الصافي غير المنساق لمؤثرات الهوى والشهوة ، المهيّأ لاحترام الحقائق وقبول الحق، الرافض للوهم والخرافة.
رابعاً : إن الإنسان بطبعه قد فطر على أمور وغرائز تعد من دعائم حياته المادية والمعنوية مثل حب الحياة وحب المال والولد وحب الملذات، وحب النساء وحب الاختلاط مع جنسه، وغير ذلك.
غير أن الإسلام وضع ضوابط لهذه الغرائز حيث لا يتجاوز المرء مداه في الأخذ منها فينغمس فيها.
ففي شهوة الأكل والشرب جعل ضابطاً عاما هو عدم الإسراف. قال تعالى: ((وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)) . ولقضاء شهوة الجنس والعاطفة شرع الزواج: (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا أليها وجعل بينكم مودة ورحمة)) ولشهوة التملك جعل الله السبيل لذلك التعامل المشروع: (( وأحل الله البيع وحرم الربا ))
خامساً : إن الله تعالى أنزل شريعته وجعلها مناسبة للفطرة السليمة ولم يرد فيها شئ يصادم الفطرة البشرية. وكل أمر شرعي يخطر ببال أحد أنه مخالف للفطرة فإنه لا يخلو من أحد احتمالين:
الأول : أن يكون أمرا شرعياً صحيحاً موافقاً للفطرة ، وإنما توهمه الشخصى مخالفا للفطرة
الثاني : أنه يخالف الفطرة فعلاً ولكنه ليس أمراً شرعياً صحيحاً وإن نسبه الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى. لذلك قال الله تعالى
( هو الذي إجتباكم ما جعل عليكم في الدين من حرج)) . وقال تعالى: ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)) وقال تعالى
( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها))
ومعلوم أن الأمر الشرعي إذا خالف الفطرة كان فيه حرج وعسر وخروج عن المعتاد وتكليف بما لا يطاق وذلك كله مما تبرأت منه الشريعة الإسلامية.
أما ما قد يحسه أبناء بعض المجتمعات من صعوبة تطبيق بعض شرائع الإسلام أو حتى الالتزام بها فإن مرده إلى أن هذه المجتمعات في أغلب أحوالها بعيدة عن تطبيق المنهج الإسلامي ، ومن خصائص الإسلام أنه جاء مهيمناً على كل جوانب الحياة التعبدية والحياتية والاجتماعية والنفسية وهو نظام متكامل يؤخذ ويطبق جملة واحدة ولا يجوز الاقتصار على أحد جوانبه في مجتمع لا يطبق بقية الجوانب .
وقد عاب القرآن الكريم على من ينتقي من شرائع الإسلام ما يناسبه ويترك ما عداه وتوعده بالخزي والعذاب,
قال الله تعالى
( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ))
اخاكم:-
الاسير