وقفَ الزمانُ على الديارِ وأنشدا
يا أيـُّها الإنسانُ لستَ مخلـّدا
عبـثاً يردِّدُ والورى في غـفلةٍ
حتى إذا ما أنهكَ الصوتَ الصدى
حقَّ العـذابُ فلم تعد تسمع لهم
إلاّ عويلاً لا يَـرِقُّ لـه الـردى
كانوا هـنا واليومَ لا أحداً هـنا
وكأنـّهم حُصِدوا وموعِدَهم غدا.
.
مَـرُّوا على آبارِ نفطٍ خاويهْ ..
لم يبقَ منها غير أكوام الحديدِ ..
وشاهدوا مُـدناً تَـئِنُّ من الفراغِ
وأسقُـفَـاًً متهاويـهْ ..
.
ركبٌ من الأحفادِ
مـرّوا من هنـا ..
جـاؤوا بُـعـيْد
زوالنـا من صرصرٍ ذهبت
بكلِّ الناس لمّا خالفـوا رب السمـاءْ ..
هَـوَت العروشُ على رؤوسِ مُلوكِها
وتفشّت الأمراضُ .. وانعدم الدواءْ ..
جـفّت عيونُ النفطِ ..
عـزَّ القـطرُ .. ليس هناك ماءْ ..
والكلُّ يصرخُ (( مـالنـا )) ؟
فيجيبهم صوتٌ كصوتُ الرّعدِ
( لا دنيـا لمن لم يحي دينْ )
ويقهقه الإعصارُ وهو يـَهُـزُّ
كلَّ بِـنـايةٍ ..
والموتُ يـَنـزَعُ كلَ روحٍ
والمفَـرُّ إلى القضاء ْ ..
(( ياربُّ نحنُ المسلمونَ ))
ويهدأُ الإعصارُ شيئاً ..
كي يعودَ مـزمـجراً
ويجيبهم صوتٌ كصوتِ الريحِ
(( بل أنتمٌ عُصاة فاسقونْ ..
عودوا لأسفل سافلينْ ..))
مات الجميعُ .. ولم يعـشْ
إلاّ القلائلَ من صِغـارِ
المسلمينْ ..
.
شابَ الصـغارُ وقد قضوا
أعمارَهُم فوق الجِـبالْ ..
جاؤوا ليكـتـَشِـفوا ويا
بـِئـْسَ المـآلْ ..
سأل الصغيرُ أباهُ :
( قـُل لي يا أبي ..
عن مجـدِ أجدادي ؟)
أشار له أبوه بأن يكفَّ
عن السؤالْ !!
هل كان يجهلُ ما مضى
أم أنـهُ خشي المَـقـَالْ ؟
عن أيِّ مجدٍ يسألُ الطفلُ
الصغـيرُ ..
عن الفضائيّاتِ
عن نشرِ الفواحشِ
عن رجال ٍ كالنساءِ
وعن نساءٍ كالرجالْ !!..
سأل الصغيرُ أباهُ من بابِ
الفضولِ :
( أبي ؟ أهذي أرضُ أجدادي ؟)
أشارَ له أبوهُ بأن يكفَّ عن
السؤالْ ..
.
مـرّوا بمكتبةٍ ..
أزالوا الرمل عن أبوابها ..
دخلـوا .. وراحوا يقرأونَ
ويقرأونْ ..
كُـتباً عن التنجيمِ
عن فضل الريجيمِ
عن المطابخِ والموائدِ
والصحونْ ..
ومجلدّاتٍ تعرضُ الأزياءَ
والأجسادَ والعوراتَ
من ضمنِ الـفـُنـونْ ..!
وهنا دواوينُ القصائدِ لا تضمُّ
سوى السخيفِ من الكلامِ
عن التلاقي والمجونْ ..
حملَ الصغيرُ مجلّةً أدبـيـّةً
عنوانها (( مجدُ العروبةِ ))
ثمّ سارَ إلى أبـيـهِ رأى الغلافَ
ولمْ تساوِره الظنونْ ..
(( إقرأ بـُنـَّيْ ..
إقـرأ لتـُدركَ مجدَ من كانوا ..
وتعرفَ من تـكونْ )) ..
فتحَ الصغيرُ مجلّةَ الأمجادِ
يدفَـعَه الفـُضولُ رأى فتـاةً
عاريهْ ..!!
مُـسْـتـَلـقِـيـَه !!
قذفَ المجلّةَ .. من يـديـهِ
بـكى الصغـيـرُ
وهـزّ أرجاءَ المكانِ
صريرُ ريحٍ عاتيه !!
ركبٌ من الأحـفادِ فَـرُّوا
من هنـا ..
مرّوا على آبار نفطٍ خاويه ..
ومساكنٍ متهاويه ..
فـرُّوا وهم يســتـغـفرونْ !!
بحثوا عن الأمجادِ في صفحاتـنا
عـمـّن نـكـونْ ؟!
عـَلِـموا بأنـّا أُمـّةً تغفو على
هـزّ الخصورِ .. وتستـفـيقُ
على البطون العـاريهْ ..
فـرّوا وهم يستغفرونَ وأقسموا
ألاّ يـعـودوا .. ثانيهْ !!.
لـ فالح الهاجري