عملياً.. يمكنك فعلاً أن تلقي نظرة عابرة على الماضي السحيق. كل ما عليك هو أن ترفع رأسك وتتأمل السماء
في الليل. فالنجمة التي تبعد عن كوكب الأرض 500 سنة ضوئية مثلاً قد استغرق الضوء الصادر منها 500
سنة بمقياسنا الأرضي كي يرتحل عبر الفضاء ويصل لأعيننا. وبمعنى آخر فنحن نرى النجوم كما كانت عليه
بالضبط قبل مئات أو آلاف أو ربما ملايين السنين – بحسب بعدها عن كوكبنا-.. وليس كما تبدو في الآن
واللحظة!
لكن الحديث عن (السفر عبر الزمن) يتجاوز هذا التطبيق المجازي. الأمر في الغالب يتناول الانتقال الفيزيائي
بالجسم عبر خط الزمن إما تقدماً نحو المستقبل أو تراجعاً للماضي. فهل الفكرة مجرد عبث فكري¿ أم أن هناك
أسساً علمية لثمة حلم¿
من الناحية النظرية¡ يبدو الترحال عبر الزمن منطقياً تماماً! الفكرة في حد ذاتها قديمة وقد خلّدها في الذاكرة
الشعبية أحد أساطين الخيال العلمي: (هربرت ج. ويلز) في روايته (آلة الزمن) منذ 1895. لكن الموثوقية
العلمية للفكرة مبنية على نظريات (آلبرت آينشتاين) في النسبية إضافة لقوانين فيزياء الكم (Quantum
Physics) وتفسيرها لطبيعة الكون.
نظرية النسبية الخاصة مثلاً تقول بوجود بعد رابع هو الزمان إضافة للطول والعرض والارتفاع. وهي تقول
أيضاً بتباطؤ الزمن طردياً خلال أبعاد هذا الزمان – المكان (أو الزمكان) كلما اقتربت سرعة الانتقال عبر
الفضاء من سرعة الضوء (نسبية الزمان مقارنة بالسرعة)¡ وهو ما تمثله له (مفارقة التوأم – Twin
Paradox) الشهيرة والتي تنص على أننا لو أبقينا أحد توأمين على كوكب الأرض في حين أرسلنا الثاني في
رحلة فضائية لعدة سنوات بسرعة الضوء¡ فإن التوأم المسافر سيعود ليجد نفسه أصغر سناً من شقيقه!
نظرية النسبية العامة¡بدورها¡ ترتكز على فكرة ثورية أخرى هي (آبار الجاذبية – Gravity Wells)
لتبرر تفسيرها لإمكانية للسفر عبر الزمان. هذه الآبار هي ببساطة عبارة عن توترات أو اختلالات في الزمكان
تحدثها الأجسام ذات الكتل الهائلة (كالكواكب). والنظرية تقول بأن عقارب الساعة ستتباطأ داخل أحد آبار
الجاذبية هذه مقارنة بالحال خارجها.
محاولات إثبات إمكانية الانتقال عبر خط الزمان تتوالى من منظور الفيزياء الكمية كذلك. فهذا العلم النظري الذي
جاء ليستبدل قوانين (نيوتن) العتيدة ونظريات الكهرومغناطيسية يفسر كل ما في الكون وفقاً للمقياس الدون
ذرّي. ولسنا هنا في مجال تفسير هذه النظريات المعقدة¡ لكننا نشير إلى وجود تصور لحالة اسمها (اللخبطة
الكميّة – Quantum Entanglement) بحيث لايمكن تفسير الوضع الفيزيائي لجسم ما بدون الاستعانة
بوضع جسم آخر مختلف. ثمة حال تتيح وفق التفسير الكميّ للكون الانتقال عبر الزمان إذا توفرت –بالطبع-
سرعة الانتقال الضوئية عبر أبعاد المكان الثلاث الأخرى. هناك تصور كميّ آخر اسمه (الوتر الكميّ –
Quantum String). وتنص نظرية الوتر على أن الوحدة الأساسية لبناء المكونات الذريّة من إلكترونات
وبروتونات ونيترونات وكواركات هي عبارة عن إوتار حلقية من الطاقة تعيش حالة عدم استقرار دائمة وفق
تواترات مختلفة هي المسؤولة عن خصائص الأجسام من وزن وكثافة وطاقة. هذه النظرية تقدم أيضاً تفسيراً لا
بأس به لاحتمال اختراق حاجز الوقت عطفاً على الاختلالات في الأوتار الكمية للجزيئات!
بطبيعة الحال¡ تلقى فكرة الارتحال عبر الزمن رفضاً كبيراً من المتلقي العادي. وحتى بين جمهور العلماء تبقى
مفارقات ومعضلات كثيرة معلّقة على فرض إمكانية تحقق هذا الأمر أساساً. هناك (مفارقة الجدّ): كيف سيكون
حال أحدهم في (الحاضر) فيما لو سافر لـ (الماضي) وقام بقتل جدّه¿! ثُم¡ ألا يتنافى السفر للماضي والالتقاء
بالناس مع حقيقة كون بعضهم ميتاً في الأصل¿ وهل يمكن أن يلتقي أحدنا بنفسه في محطة زمانية أخرى¿
من النظرية وإلى النظرية يثبت العلماء وجهات نظر متباينة. هناك نظرية (الحاضر - Presentist) القائلة
بأن مادة الكون هي (الآن) وحسب وبالتالي فلا يوجد شيء مادي في قاموس الفيزياء اسمه (مستقبل). علماء
آخرون أثبتوا أن أبسط قوانين الفيزياء الكميَة تضمن للمسافرين عبر الزمن استحالة تغيير الماضي نظراً للطبيعة
الموجية للجسم في الحالة الكمية. إذ ستقسم الأجسام ذاتها لمكونات موجية متعددة سيأخذ كل منها مساراً معيناً
عبر الزمكان. وحين يصل الجسم لنقطة تتداخل فيها المكونات الموجية معاً ثانية ويحصل هذا التداخل على نحو
إيجابي لأن النظرية الكمية تنص على أن الموجات لا تتجمع على نحو مدمر أبداً. وهو ما يناقض ببساطة
فرضية انتقال الموجات عبر الزمان!
طبيعة (الزمن) الفيزيائية المغرقة في الغموض والمراوغة تمثل إذاً المعضلة الأولى لمحاولة تنفيذ فكرة السفر
عبر العصور.. دعك عن مجرد فهم أسسها. والواقع أن هذه الفكرة تندرج تحت فرع عام من الفيزياء النظرية له
أدبياته وعوالمه الخاصة والتي يفسر بعضها بعضاً ويفتح كل منها بدوره أبواباً لتساؤلات لا تنتهي. مثل
نظريات ثقوب الفضاء السوداء والديدانية (Worm Holes)¡ والعوالم المتوازية (Parallel
Universes) والانتقال الآني (Teleportation) الذي سنتناوله هنا أيضاً.